يوافق يوم السبت القادم، الذكرى العشرون لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، على برج التجارة العالمي، بالولايات المتحدة الأمريكية، تلك الهجمات الإرهابية، الأشهر في التاريخ الحديث، التي تبناها تنظيم القاعدة، بقيادة أسامة بن لادن، ليكبد الولايات المتحدة خسائر، اعتبرتها الأخيرة ثاني أكبر خسائر في تاريخها بعد خسارتها في معركة بيرل هاربر في عام 1941.
ونبدأ بأسامة بن لادن، المنتمي لأسرة سعودية كبيرة، وورث عن والده ثروة طائلة، كان يعمل في مجال المقاولات، قبل أن يؤسس جبهة المجاهدين العرب في أفغانستان، التي تطورت بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة. اعتنق أسامة الفكر الجهادي، الذي ينادي باستخدام السلاح لإحداث التغيير، تهمته واشنطن بتفجيرات “الخُبر”، “ودار السلام”، “ونيروبي”، والهجوم على المدمرة الأميركية “يو أس أس كول”. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصبح العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية.
تعرفت على قصة القضاء على بن لادن، خلال مأدبة عشاء، بأحد مطاعم مصر الجديدة، كان ضيفي فيها الوزير Leon Panetta، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأسبق (CIA)، في عهد باراك أوباما، ورئيس هيئة البيت الأبيض الأسبق في عهد بيل كلينتون، ويدل تقلده لتلك المناصب القيادية الحساسة على أهمية هذا الرجل، وخلال هذا العشاء استمعت من الوزير Panetta إلى قصة القضاء على بن لادن.
قال الوزير الأمريكي، أنه فور توليه رئاسة وكالة المخابرات المركزية، تم استدعاءه من الرئيس أوباما، ومن الكونجرس الأمريكي، وتم تكليفه بتكريس كافة جهود وموارد وكالة المخابرات، في العثور على أسامة بن لادن، حياً أو ميتاً. فركز Panetta جهوده، منذ ذلك اليوم الأول، في اقتفاء أثر بن لادن، وأجمعت الآراء، على ضرورة البحث عن “السعاة” المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة. وتوصل فريق العمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين سابق بمعتقل جوانتانامو، يقال له “الكويتي”، وقادتهم معلوماتهم إلى أنه أحد المراسلين الهامين.
وبدأت متابعة العديد من أرقام الهواتف، للوصول إلى رقم “الكويتي”، وهو ما استلزم متابعة أكثر من مليون رقم على مدار عامين. وأخيراً، وفي عام 2010، تم رصد مكالمة بين رجل في شمال غرب باكستان، مع آخر بمنطقة الخليج العربي. ومن هنا، ومن هذا الخطأ، بدأت متابعة هذا الرجل، الذي كان أول الخيط لسقوط بن لادن. أطلق على هذا الرجل الكويتي اسم حركي “وحش قندهار”، وبمتابعته ورصد تحركاته، تبين تكرار زياراته إلى مدينة أبوت أباد الباكستانية، والتي يقصد فيها مبنى منعزل، مكون من ثلاثة طوابق، وتحيطه أسواراً عالية، يعتليها أسلاك شائكة، وأعتقد أن هذا هو مقر بن لادن … ولأول مرة، يتصل Panetta بالرئيس أوباما ويخبره بأنهم يقتربون من بن لادن!
وبالمراقبة، تبين أنه مجمع سكني، يعيش فيه “الكويتي” وزوجته، وأخوه وزوجته، “وشخصية هامة”، أخرى، تعيش داخل هذا المجمع، وتلاحظ من المراقبة، أنه لا أحد يخرج من هذا المبنى لقضاء احتياجاتهم إلا “الكويتي”. وباستمرار المراقبة، تبين أن “الشخصية الهامة” التي تعيش في هذا المجمع، لا تخرج منه على الإطلاق، وتقتصر تحركاتها على المشي، لأوقات محدودة، داخل فناءه. وبقياسات الطول التي التقطتها الأقمار الصناعية لتلك الشخصية، تأكد الأمل، بنسبة كبيرة، من أنه، بالفعل، بن لادن.
يروي Panetta أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد تدربت لمدة 30 يوماً متواصلة، دون معرفة الهدف، وتضمن التدريب، تشييد مبنى كامل، يشبه ذلك المشتبه بوجود بن لادن به، ومن ثم تم إجراء التدريبات العملية للقوات على هذا المبنى، وتم إعداد الأجهزة الإلكترونية لتنقل عملية الاقتحام مباشرة إلى البيت الأبيض في واشنطن. ويوم 30 أبريل، علمت القوات بأن الهدف هو أسامة بن لادن، أو “جيرونيمو”، وهو الاسم الكودي الذي أطلق عليه في هذه العملية، التي تم تنفيذها باستخدام 2 طائرة شينوك، على متنها 56 جندي أمريكي، بالإضافة لطائرتي بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام، بينهم مترجم، ومعهم كلب يدعى “كايرو”.
كانت مدة الرحلة 90 دقيقة، من أحد القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان، عبر الحدود الباكستانية. نصت الخطة على هبوط الطائرة البلاك هوك الأولى، على سطح المنزل، بينما تهبط الثانية على الأرض بجواره مباشرة، ليتم مهاجمة المنزل من اتجاهين، بينما تهبط الطائرتين الشينوك، اللتان تحملان عناصر الدعم الاحتياطي، على مسافة 104كم من الهدف. ولكن عند التنفيذ، حدث ما لم يكن في الحسبان، فبمجرد اقتراب الطائرات من منزل الهدف، اندفع عمود هوائي لتغيير المناخ، أدى لسقوط الطائرة البلاك الأولى، وتحطم المروحية، ولكن لم يصب رجالها بأذى.
وبدأ اقتحام المبنى وفقاً للتدريبات السابقة، فكان “الكويتي” وزوجته أول من قتلا في الطابق الأسفل، تلاه قتل أخوه وزوجته في الطابق الثاني، واندفعت القوات إلى الطابق الثالث، لتجد بن لادن، فأكدوا للقيادة المركزية تمام القبض على “جيرونيمو”، ثم أردوه قتيلاً برصاصة في الرأس، وأبلغوا الرئيس الأمريكي ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية قائلين “لقد نلنا منه”. ثم حملوا جثته إلى حاملة الطائرات الأميركية “كارل فنسون”، حيث تم إجراء تحليل الحامض النووي DNA، والذي تطابق مع أحد أقرباء بن لادن.
وخرج الرئيس أوباما، بعد نحو 3 ساعات من انتهاء العملية، ليعلن للشعب الأمريكي، وللعالم أجمع، خبر القضاء على بن لادن، وهكذا انتهت قصة بن لادن أشهر إرهابي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية